الشيخ / محمود على البنا
صوت
يقولون عنه أنه ملائكي.. يفسر الكلمات ويصور معان القرآن... تقشعر لصوته
الأبدان... جرئ في الحق..يسعى لتحقيق آمال زملائه القراء... عند ظهوره
واعتماده بالإذاعة أضرب القراء عن التلاوة في الإذاعة... فزادت شهرته.
وهو
من مواليد قرية شبرا باص مركز شبين الكوم محافظة المنوفية في السابع عشر
من ديسمبر عام 1926م وهو أول أخوته الذكور والثاني في الترتيب. كان أبوه
فلاحاً ولا يعيش له ذكور فنذره للقرآن وخدمة أهله منذ ولادته تيمناً بأن
يكون خادماً للقرآن, وفي سن مبكرة ألحقه بكتاب القرية قبل أن يتم الخمس
سنوات فأتم حفظ القرآن في التاسعة من عمره فكان أصغر طفل بالقرية يحفظ
القرآن الكريم كله وقد حاول جده أن يلحقه بمعهد المنشاوي الديني بمحافظة
طنطا إلا أن صغر سنه حال دون ذلك فلما بلغ الثانية عشرة من عمره انتقل إلى
مدينة طنطا والتحق بالمعهد الديني وظل يدرس به ويعيش بمفرده بعيداً عن
والده, وكانت مدينة طنطا في ذلك الوقت عامرة بالقراء العظام كالشيخ سعودي
والشعشاعي فأخذ يتردد على أماكن تواجد هؤلاء القراء ليستمع إليهم ويتعلم
منهم ثم يعود إلى البيت محاولاً تقليد أسلوبهم وطريقة أدائهم حتى أنتشر
صيته بين زملائه الدارسين بالمعهد فوصل ذلك أن يقرأ عليهما ما تيسر من
القرآن فأثنيا عليه وأشارا عليه بالتفرغ لدراسة علوم القرآن وتجويده وأن
يترك الدراسة بالمعهد قائلان له : لقد ح
الله صوتاً جميلاً وقد خلقت
لتكون صييتاً وقارئاً فدعك من النحو والصرف وما شابه ذلك من علوم المعهد
فترك المعهد دون أن يبلغ والده وذهب إلى المسجد الأحمدي بمدينة طنطا والتقى
الشيخ إبراهيم سلام شيخ المقرأة ولكن الشيخ طلب منه قراءة القرآن عليه
ليقرر مدى أهليته فلما أستمع إليه أثنى عليه مما كان له الأثر الطيب في نفس
الصبي محمود البنا فحفظ الشاطبية للأمام الشاطبي وكذا تفسيرها ثم قرأ عليه
القراءات العشر واستمر عامين على هذا النحو يتلقى علوم القرآن وكان والده
قد علم بأمره إلا أنه لثقته به لم يعلق على أمر تركه الدراسة بالمعهد
الديني, وفي عام 1944م نصحه الشيخ إبراهيم سلام بأن يذهب إلى القاهرة
ليتعرف على العلوم الجديدة في القرآن وأحكام التلاوة فنزح إلى القاهرة ونزل
على بعض الدارسين من أهل قريته وأقترب من عظام القراء كالشيخ محمد سلامة
والشيخ على محمود والشيخ طه الفشني ثم ذهب بعد ذلك إلى الشيخ درويش الحريري
ليتعلم الموسيقى وعلم المقامات الموسيقية ولم يكن قد تجاوز السابعة عشرة
من عمره بعد.
في عام 1947م استمع إليه بعض المسؤلين بجمعية الشبان
المسلمين• فقدموا إلى صالح باشا حرب رئيس الجمعية في ذلك الوقت...فكانت تلك
هي نقطة الانطلاق للشيخ البنا ونقطة التحول في حياته.. مزيداً من التفاصيل
حول تلك العلاقة التي نشأت بينه وبين رئيس جمعية الشبان المسلمين..
**
كان صالح باشا حرب صاحب فضل كبير على الشيخ البنا وكان يعترف بذلك ويقول :
لقد شجعني صالح باشا وآمن بصوتي وقد بدأ التعارف بينهما عندما استمع إليه
مجموعة من أعضاء جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة فأعجبوا بصوته فقدموا إلى
صالح باشا وأثنى عليه وقرر تعيينه قارئاً للسورة بمسجد الشبان المسلمين وفي
نفس العام أقامت الجمعية حفلاً بمناسبة العام الهجري دعى إليه كبار علماء
الأزهر كالشيخ دراز وغيره وحضره على باشا ماهر رئيس الوزراء في ذلك الوقت
ومحمد بك قاسم مدير الإذاعة المصرية آنذاك والأميران عبدالله السنوسي
وعبدالكريم الخطابي وغيرهم من كبار الضيوف وكانت الإذاعة تنقل هذا الحفل
على الهواء فعرض صالح باشا حرب على المسؤلين بالإذاعة أن يحيي الحفل الشيخ
محمود البنا قائلاً لهم : الولد ده كويس , ولازم تسمعوا صوته ولا داعي
لاستدعاء مقريء آخر إلا أن محمد بك قاسم مدير الإذاعة اعتذر لصالح باشا حرب
وقال أنه لا يجوز للإذاعة أن تنقل الحفل إلا لقاريء معتمد بها فوافق صالح
باشا حرب وطلب من محمد بك قاسم أن يستمع هو والحاضرون إلى صوت القاريء
البنا بعد انتهاء الحفل وقد حدث ذلك وبعد أن انتهى الشيخ البنا من القراءة
أثنى عليه الحاضرون وطلب منه محمد بك قاسم أن يذهب للإذاعة ليعقد له امتحان
أمام اللجنة وبالفعل ذهب الشيخ محمود في اليوم التالي وتقدم لإعضاء اللجنة
فتم إعتماده مقرئاً بالإذاعة المصرية وعمره لم يتجاوز العشرين عاماً أو
يزيد بعام واحد فكان أصغر قاريء يعتمد بالإذاعة المصرية في ذلك الوقت من
عام 1948م.
قالت الإذاعية القديرة صفية المهندس : يتلو عليكم الشيخ
محمود علي• البنا ما يتيسر من آيات الله البينات من سورة يونس فأرتعدت
نبرات صوته بعد أن بدأ في قراءة الإستعاذة وقصر نفسه رهبة من الموقف
وإنتابته كحة خفيفة....فهدأته الأستاذة صفية المهندس بعد أن حجبت الصوت عن
المستمعين وطلبت أن يستمر وشجعته بقولها ممتاز.. فكان أول لقاء بينه وبين
المستمعين في أنحاء مصر والعالم العربي.. هل كان يروي لك عن تلك الذكريات؟
وكيف تمت؟ وماذا فعل؟
** فعلاً.. لقد ذكر لي هذه الحكاية ..ففي عام
1948م كان أول لقاء بينه وبين المستمعين عبر الإذاعة فلم ينم تلك الليلة
التي ظل يسأل نفسه فيها هل سيتحقق الحلم ويجلس أمام ميكروفون الإذاعة على
الهواء مباشرة ليسمعه