أعظم
مخلوق وطئ الثرى هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جعل الله عز وجل في
حياته من العبر والعظات ما يجعل كل ناظر فيها يتعجب منها، ويأخذ من حياته
عليه الصلاة والسلام نبراساً يستضيء به، فهو شخصية عظيمة جداً، كيف لا وهو
خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، وكل حركة من حركاته مؤيدة
بالوحي.
نحن مع سيرة رجل هو أعظم رجل خلقه الله عز وجل منذ خلق آدم وإلى يوم القيامة.
الناس عادة يتفوقون في مجال ويتأخرون في آخر، لكن هذا الرجل تفوق في كل
مجال، تفوق في عبادته، في معاملاته، في شجاعته، في كرمه، في حلمه، في زهده،
في حكمته، في ذكائه، في تواضعه، في كل شيء، إن هذا الرجل بحق قد سبق غيره!
فمع سيرة الإنسان الذي خاطبه الله عز وجل وقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].
بل قد أقسم الله جل وعلا بحياة هذا الرجل فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72].
مع سيرة الرجل الذي لن يحاسب الله عز وجل الخلائق يوم القيامة إلا عندما
يشفع لهم، وكل نبي في الموقف لن يشفع حتى لأتباعه المؤمنين به إلا بعد أن
يشفع هذا الرجل.
مع سيرة الرجل الذي لن ندخل الجنة إلا خلفه، ولن نروى يوم القيامة إلا من
حوضه وكوثره، وهذا متوقف على معرفتنا بسيرته ونهجه، واتباعنا له فيهما، فإن
صنعنا ذلك كانت لنا النجاة في الدنيا والآخرة، وإن جهلنا طريقته أو
خالفناها قيل لنا: سحقاً سحقاً.
نحن أمام سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الماحي الذي محا الله عز وجل
به الكفر، وأول من يبعث من الخلائق يوم القيامة، وحامل لواء الحمد يوم
القيامة، وصاحب المقام المحمود والحوض المورود صلى الله عليه وسلم.
أمام سيرة الرجل الذي فتحت له أبواب السماء ليخترقها بجسده إلى ما بعدها،
لما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل في رحلة المعراج إلى السماء
وطرق الباب أجاب الملك فقال: (من؟ قال: جبريل.
قال: ومن معك؟ قال: محمد.
قال: أو أرسل إليه؟ قال: نعم) ففتح باب السماء، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكان لم يدخله بشر قبل ذلك وهو حي.
نعم، هذا هو الرجل الذي وصل إلى مكان لم يصل إليه بشر، ولم يتجاوزه حتى جبريل الملك العظيم، ويصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنه الرجل الذي شاهد الجنة والنار بعينه لا بعقله.
إن مقام هذا الرجل لا يسمح إلا بأن نضعه في مصافِّ الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام؛ في رتبة أعلى من نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وكل أنبياء الله عز وجل
عليهم الصلاة والسلام أجمعين، في مقام ضخم جداً نقارنه بالملائكة أجمعين،
بملك الأرزاق، بملك البحار، بملك الجبال، بحملة العرش، بل وبجبريل عليه
السلام، جبريل لما وصل إلى سدرة المنتهى لم يستطع أن يتقدم، وقال لرسول
الله صلى الله عليه وسلم: (لو تقدمت خطوة لاحترقت)، ولكن الرسول صلى الله
عليه وسلم مكنه الله عز وجل أن يتقدم، فتقدم للقاء الله عز وجل.
إن عظم مقام هذا الرجل جعل له ذكراً خالداً، وعلى قدر هذه العظمة يجب أن
يكون اهتمامنا بسيرته وحياته، وبكل دقيقة مرت من حياته الشريفة صلى الله
عليه وسلم.