[color:137e=Traditional Arabic]
أولاً: أن هذه الروايات من أعلى درجات الصحة عند جماهير المحدثين.
ثانيًا: للوقوف على ما صح من مرويات عائشة - رضي الله عنها - دون الضعيف،
والصحيحان في الجملة فيهما من الأحاديث ما يُغني في كثير من أبواب العلم
وتفريعاته.
ثالثًا: لتكون عونًا على
الحفظ لمن أراد أن يستزيد من ميراث النبوة وعلمه، فينهل من معين الإيمان،
ومنبع العلم وأصله؛ فعن أبي سلمة بن عبدالرحمن - كما جاء في "الطبقات" -
قال: "ما رأيتُ أحدًا أعلمَ بسُنن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
ولا أفقهَ في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلتْ، ولا فريضة -
مِن عائشة".
وهذه بعض مرويات أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في الصحيحين[8]:
1- عن عائشةَ أمِّ
المؤمنين، قالت: أول ما بُدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي
الرؤيا الصالحةُ في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءتْ مثل فلق الصبح، ثم
حبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه - وهو التعبُّد -
الليالِيَ ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى
خديجةَ فيتزوَّد لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء؛ فجاءه المَلَك
فقال: اقرأ، قال: ((ما أنا بقارئ))، قال: ((فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني
الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية
حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني
فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
* خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
[العلق: 1 - 3]...)) الحديث.
2- وعن مسروق، قال: قلت
لعائشة: يا أمَّتاه، هل رأى محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - ربَّه؟ فقالتْ:
لقد قَفَّ شعري مما قلتَ، أين أنت من ثلاث مَن حدَّثَكهن فقد كذَب: من
حدَّثك أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربَّه، فقد كذب، ثم قرأتْ: ﴿
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]، ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ
يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الشورى:
51]، ومن حدَّثك أنه يعلم ما في غدٍ، فقد كذب، ثم قرأتْ: ﴿ وَمَا تَدْرِي
نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ﴾ [لقمان: 34]؛ ومن حدَّثك أنه كتم، فقد كذب،
ثم قرأتْ: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ
رَبِّكَ ﴾ الآية [المائدة: 67] ؛ ولكنه رأى جبريل - عليه السلام - في صورته
مرتين.
3- وعن عائشة، قالت: من زعم أن محمدًا رأى ربَّه، فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريلَ في صورتِه، وخَلْقُه سادٌّ ما بين الأفق.
4- عائشة، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعجبه التيمُّن في تنعُّله وترجُّله وطهوره، وفي شأنه كلِّه.
5- وعن عائشة، قالت: كان
النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤتى بالصبيان، فيدْعو لهم، فأُتي بصبي فبال
على ثوبه، فدعا بماء فأتْبعه إياه ولم يغسله.
6- وعن عائشة، سئلت عن
المني يصيب الثوبَ، فقالت: كنت أغسله من ثوب رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - فيخرج إلى الصلاة وأَثَرُ الغَسْلِ في ثوبه بُقَعُ الماء.
7- وعن عائشة، قالت: كانت
إحدانا إذا كانت حائضًا، فأراد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن
يباشرها، أمَرَها أن تتَّزر في فور حيضتها، ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك
إرْبه كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه.
8- وعن عائشة زوجِ النبي -
صلى الله عليه وسلم - قالت: وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ليُدخل عليَّ رأسَه وهو في المسجد فأرجِّله، وكان لا يَدخل البيت إلا لحاجة
إذا كان معتكفًا.
وعن عائشة، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يباشرني وأنا حائضٌ، وكان يُخرِج رأسَه من المسجد وهو معتكفٌ، فأغسله وأنا حائضٌ.
9- وعن عائشة، حدَّثت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتكئ في حجري وأنا حائضٌ، ثم يقرأ القرآن.
10- وعن عائشة زوجِ النبي -
صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اغتسل من
الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضَّأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يُدخِل أصابعه في
الماء، فيخلِّل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاثَ غرفٍ بيديه، ثم يفيض
الماء على جلده كلِّه.
11- وعن عائشة، أنَّ امرأةً
سألت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف
تغتسل، قال: ((خُذي فِرْصَةً من مسكٍ فتطهَّري بها))، قالت: كيف أتطهَّر
بها؟ قال: ((تطهَّري بها))، قالت: كيف؟ قال: ((سبحان الله! تطهري بها))،
فاجتبذتها إليَّ، فقلت: تتبَّعي بها أثر الدم.
12- وعن عائشة زوج النبي -
صلى الله عليه وسلم - قالت: خرجْنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء - أو بذات الجيش - انقطع عقدٌ لي، فأقام
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا
على ماء، فأتى الناسُ إلى أبي بكر الصدِّيق، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعتْ
عائشة؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء،
وليس معهم ماءٌ! فجاء أبو بكر ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - واضعٌ
رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبستِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماءٌ؟! فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر،
وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعُنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من
التحرُّك إلا مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فقام رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم،
فتيمَّموا، فقال أُسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر! قالت:
فبعثنا البعيرَ الذي كنت عليه، فأصبنا العقد تحته.
13- وعن عائشة أم المؤمنين،
أنها قالت: صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وهو شاكٍ،
فصلى جالسًا، وصلى وراءه قومٌ قيامًا، فأشار إليهم أنِ اجلسوا، فلما انصرف،
قال: ((إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا،
وإذا صلى جالسًا، فصلوا جلوسًا)).
14- وعن عائشة، قالت: لقد
راجعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وما حملني على كثرة
مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحبَّ الناسُ بعده رجلاً قام مقامه
أبدًا، ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحدٌ مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردتُ أن
يعدل ذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن أبي بكر.
15- وعن عائشة، ﴿ وَإِنِ
امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ﴾ [النساء:
128]، قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثرٍ منها، يريد أن يفارقها،
فتقول: أجعلك من شأني في حلٍّ، فنزلت هذه الآية في ذلك.
16- وعن عائشة قالت: ﴿
وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا
فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 6] أنزلت في والي اليتيم الذي
يُقيم عليه، ويُصلِح في ماله، إن كان فقيرًا أكل منه بالمعروف.
17- وجاء أن زياد بن أبي
سفيان كتب إلى عائشة: إن عبدالله بن عباس قال: من أهدى هديًا، حرُم عليه ما
يَحرُم على الحاج حتى ينحر هديه، فقالت عائشة: ليس كما قال ابن عباس، أنا
فتلتُ قلائدَ هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي، ثم قلدها رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - بيديه، ثم بعث بها مع أَبِي، فلم يَحرُم على
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ أحلَّه الله حتى نحر الهدي.
18- وعن عائشة، قالت: دخل
عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو مسرورٌ، فقال: ((يا
عائشة، ألم تَرَيْ أن مُجَزِّزًا المُدْلِجِيَّ دخل فرأى أسامة وزيْدًا،
وعليهما قطيفةٌ قد غطيا رؤوسهما، وبدتْ أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام
بعضها من بعض!)).
19- وعن عائشة، قالت: كنت
أغار على اللاتي وهبْن أنفسهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقول:
أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله - تعالى -: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ
مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ
عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾ [الأحزاب: 51]، قلت: ما أرى ربَّكَ إلا
يسارع في هواكَ.
20- وعن عائشة زوج النبي -
صلى الله عليه وسلم - قالت: لما أُمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بتخيير أزواجه، بدأ بي، فقال: ((إني ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك ألاَّ تَعجلي
حتى تستأمري أبويك))، قالت: وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه،
قالت: ثم قال: إن الله - جل ثناؤه - قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
﴾[الأحزاب: 28] إلى ﴿ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 29]، قالت: فقلت: ففي
أيِّ هذا أستأمر أبويَّ؟! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم
فعل أزواجُ النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما فعلتُ.
21- وعن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد)).
22- وعن عائشة، أن أزواج
النبي - صلى الله عليه وسلم - حين تُوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أردنَ أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فقالت عائشة: أليس قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا نُورَثُ، ما تركْنا صدقةٌ))؟
23- وعن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل شراب أَسْكَرَ، فهو حرامٌ)).
24- وعن عائشة، أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((أُريتك في المنام مرتين، أرى أنك في
سَرَقةٍ من حرير، ويقول: هذه امرأتك، فاكشف عنها، فإذا هي أنت، فأقول: إن
يك هذا من عند الله، يُمضِه)).
25- وعن عائشة، أنها سمعت
النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصغتْ إليه قبل أن يموت، وهو مسندٌ إليَّ
ظهره يقول: ((اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق)).
26- وعن عائشة - رضي الله
عنها - قالت: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآيةَ: ﴿ هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ
أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ إلى قوله: ﴿ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
[آل عمران: 7] قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا رأيت
الذين يتَّبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمَّى الله، فاحذرُوهم)).