سؤال: لماذا ابتلى
الله عز وجل أيوب عليه السلام ، فقد سمعت أن أحد ضعفاء الناس قد استجاره
فلم يُجِره ، فعاقبه الله عز وجل بذلك ، هل هذه القصة صحيحة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
ظاهر
القرآن الكريم يدل على أن ابتلاء الله عز وجل نبيه أيوب عليه السلام لم
يكن على وجه العقوبة على ذنب أو مخالفة ، وإنما كان لحكمة يعلمها سبحانه
وتعالى ، لعل منها أن يرفعه بصبره الدرجات العلى ، وينال به المقام السامي
إلى يوم الدين .
فقد أثنى سبحانه وتعالى على صبره في قوله تعالى : (
إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (ص/44)،
وهو سياق ثناء ومدح ورفع مقام ، يختلف عن سياق العتاب الوارد في قصة يونس
عليه السلام ، في قوله تعالى : ( فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ .
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ
إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ )
الصافات/142-145.
ثانيا :
في السنة النبوية ما يدل على براءة أيوب عليه السلام من أي ذنب يمكن أن يكون سبب المرض الذي أصابه .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(
إِنَّ أَيُّوبَ نَبِيَّ اللَّهِ كَانَ فِي بَلَائِهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ
سَنَةً ، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ ، إِلَّا رَجُلَانِ مِنْ
إِخْوَانِهِ كَانَا مِنْ أَخَصَّ إِخْوَانِهِ ، كَانَا يَغْدُوَانِ
إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ إِلَيْهِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ :
أَتَعْلَمُ ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ
أَحَدٌ ، قَالَ صَاحِبُهُ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : مُنْذُ ثَمَانِيَ
عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ فَيَكْشِفُ عَنْهُ .
فَلَمَّا
رَاحا إِلَيْهِ لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ،
فَقَالَ أَيُّوبُ : لَا أَدْرِي مَا يَقُولُ ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرِّجْلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ ،
فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ ، فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا
كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ إِلَّا فِي حَقٍّ ) إلى آخر الحديث .
رواه أبو يعلى في " المسند " (6/299)، وابن حبان في " صحيحه " (7/159)، والحاكم في " المستدرك " (2/635).
وصححه
ابن حبان ، وقال الحاكم : " على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ونص عليه
الذهبي أيضا في " التلخيص "، ووصفه ابن حجر في " فتح الباري " (6/421) بأنه
أصح ما في الباب ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/17) ،
وأعله بعض العلماء ، انظر : " أحاديث معلة ظاهرها الصحة " (ص/54)، وانظر "
البداية والنهاية " (1/254-259)
ثالثا :
يقرر العلماء أن الحكمة الغالبة في ابتلاء الأنبياء رفع الدرجات وإعلاء الذكر .
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله :
"
الله عز وجل يبتلي عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء ، وقد يبتليهم
بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل
عليهم الصلاة والسلام والصلحاء من عباد الله ، كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ) – رواه الترمذي
(2398)- ... فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو
نحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل ، رفعا في الدرجات ،
وتعظيما للأجور ، وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب " انتهى من " مجموع
فتاوى ابن باز " (4/370-371)
وقد سبق في موقعنا شرح وتفصيل عن الحكم
المتعددة في ابتلاء الأنبياء ، وسبق النقل هناك عن العلامة ابن القيم في
توضيح هذه المسألة ، يمكن مراجعتها في الفتوى رقم (72265)
والله أعلم .