الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد ،،
فإن الله سبحانه وتعالى قد أمر جميع الناس بكل ما ينفعهم فى دينهم ودنياهم وآخرتهم. ولكن هناك من يمتثل وهناك من يحيد.
وبشر من امتثل لشرعه الكريم بسعادة الدارين :
قال تعالى : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)) [طه]
كما أنذر كل ما يعرض عن شرعه بأن له معيشة ضنكاً.
قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)) [طه]
ومن الأمور التى أمرنا بها الله سبحانه وتعالى أن يتحد أهل الحق ويكونوا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص.
قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)) [الصف]
وفى الحديث الشريف المتفق عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وكونوا عباد الله إخوانا).
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات مات ميتة جاهلية ومن قتل تحت راية عمية يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاش من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني ) [رواه مسلم]
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية) [رواه مسلم]
كما أنه سبحانه قد نهانا عن الفرقة والاختلاف
قال تعالى : (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)) [آل عمران]
وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (159)) [الأنعام]
وقال تعالى : (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى]
وذم التحزب :
قال تعالى : (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)) [المؤمنون]
فهذا هو شرع الله ، وهذا هو أمره ، وهذا ما يريده لنا سبحانه وتعالى :
قال تعالى : (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : 185]
وهذا ما يسميه أهل العقيدة الصحيحة بـ : (الإرادة الشرعية).
ويقصدون بها الأمور التى يحبها الله ويرضاها وأمر باتباعها ، ونهى عن مخالفتها.
ولكن لو أن الله سبحانه وتعالى أنفذ مشيئته الشرعية ، لانتفت الحكمة من خلق الدنيا ، وانتفى تخيير الإنسان بين الإيمان والكفر ، وانتفى تخييره بين الطاعة والمعصية.
لهذا فإن الله سبحانه وتعالى قد أذن أن يحدث – فى كونه- بعض الأمور التى لم يأمر بها شرعاً مثال ذلك كفر الكافر ، وعصيان العاصى ، فلا يمكن تصور أن أحداً – أياً ما كان – يمكن أن يفعل شيئاً فى كون الله ، مخالفاً فيه إرادته سبحانه ، بل إن كل ما يحدث فى كون الله قد أذن الله بحدوثه قدراً ، وهذا هو ما يسميه أهل العقيدة الصحيحة (الإرادة الكونية القدرية) ، وفى هذا يقول ربنا جل وعلا :
(وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) ) [الإنسان]
ويقول : (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)) [التكوير]
وبهذا يتسق مفهومنا عن إرادة الله وعن ما يحدث فى كونه.
فما يحدث فى كون الله لا يخرج عن شيئين :
الأول : شئ يحبه الله ويرضاه فهذا قد أمر الله به وقد حدث فعلاً فى كونه مثل إيمان المؤمن وطاعة الطائع ، وفى هذه الحالة تلتقى الإرادتان الشرعية مع الكونية القدرية).
الثانى : شئ لا يحبه الله ولا يرضاه ونهى عنه وقد حدث فعلاً فى كونه مثل كفر الكافر وعصيان العاصى ، وفى هذه الحالة تفترق الإرادتان الشرعية مع الكونية القدرية.